الذهب خارج السيطرة
شهد الذهب خلال الفترة الأخيرة ارتفاعات متسارعة جعلت أغلب الإقتصاديين والمحللين والمستثمرين يضعون مستهدفات سعرية دون الرجوع لتحليل السلوك السعري، في وقتٍ أصبحت فيه العوامل الجيوسياسية والمخاطر الاقتصادية هي المحرك الرئيسي للسوق.
ما يسيطر على حركة الذهب حاليًا هو تزايد المخاوف من تداعيات اقتصادية بسبب الحرب التجارية، وخصوصًا التعريفات الجمركية المتبادلة، والتي لم تعد مجرد أدوات اقتصادية، بل تحوّلت إلى سياسات انتقامية بين الولايات المتحدة والصين.
بدأت الأسواق بالفعل تسعير المخاطر التي قد تنتج عن استمرار هذا التصعيد، وهو ما قد يُلحق الضرر بجميع الأصول الاستثمارية التقليدية، لتتوجه السيولة بشكل مكثّف نحو الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب.
هذا التوجه انعكس في ارتفاع وتيرة مشتريات البنوك المركزية من الذهب، ما أدى إلى زيادة الاحتياطيات على حساب الدولار، الذي تراجع إلى أدنى مستوياته، متأثرًا بسياسات الإدارة الأمريكية المستهدفة لإضعافه.
لهذا السبب، أصبح من الصعب تحديد مستهدفات دقيقة للذهب، إذ لم يعد يتحرك بناءً على النماذج الفنية التقليدية، بل تحكمه موجات من القلق العالمي والتغيرات السياسية المفاجئة.
ومع ذلك، فإن ما يلفت الانتباه هو أن جميع المستهدفات التي وضعتها المؤسسات المالية الكبرى في فترات سابقة… قد تحققت بالفعل.
على سبيل المثال، كل من UBS وSaxo Bank كانا قد توقعا وصول الذهب إلى مستوى 3,300 دولار للأونصة، وهو ما تحقق بالفعل مؤخرًا.
المستهدفات الجديدة للذهب من قبل كبرى المؤسسات المالية لعام 2025 وما بعده:
• Goldman Sachs: تتوقع وصول الذهب إلى 3,700 دولار بنهاية 2025،مع سيناريو متفائل قد يصل إلى 4,500 دولار في حال تصاعد التوترات الاقتصادية والجيوسياسية.
• UBS: عدّلت مستهدفها إلى 3,500 دولار للأونصة بحلول نهاية 2025،مدعومًا بزيادة مشترياتا لبنوك المركزية.
• Saxo Bank: تتوقع الآن أن يصل الذهب إلى 3,500 دولار للأونصة خلال 2025 ،مستندة إلى استمرار ضعف الدولار وارتفاع الطلب من المستثمرين الأثرياء.
• Bank of America: توقعت متوسط سعرعند 3,063 دولارفي 2025، وقد يصل إلى 3,500 دولار إذا ارتفع الطلبا لاستثماري بنسبة 10%.
• HSBC: رفعت توقعاتها إلى متوسط 3,015 دولارفي 2025 ،مشيرة إلىتصاعد التوتراتا لجيوسياسية كأحد العوامل الدافعة.
• J.P. Morgan: توقعت متوسط سعر 2,600 دولارفي 2025، مع احتمالية تجاوزه في حال استمرار العوامل الداعمة للسوق.
العوامل التي تدعم هذه التوقعات:
1. زيادةمشتريات البنوك المركزية،خاصة من الصين ودول ناشئة.
2. تصاعد التوترات الجيوسياسية، مثل الحرب التجارية والنزاعات الدولية.
3. مخاوف من ركود اقتصادي عالمي،تدفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة.
4. تراجع قيمة الدولار الأمريكي،مما يعززمن جاذبية الذهب كتحوط.
لكن ماذا بعد كل هذا التفاؤل؟
قد لا يؤمن البعض بأن الذهب يمكن أن يصحح أو يهبط يومًا ما، بل أصبح التفاؤل هو المسيطر، وتُبنى عليه الكثير من السيناريوهات الإيجابية للذهب بل المستهدف الذي ينتظره الجميع وأصبح يتردد هو مستويات 5000 $ للأونص الواحد
لكن من وجهة نظري الاقتصادية، أرى أن ما نشهده الآن هو حالة استثنائية ستتبعها حركة عكسية.
فالحرب التجارية الانتقامية بين الولايات المتحدة والصين ستصل في النهاية إلى اتفاق شامل — دعوني أسمّيه “G2” — اتفاق ثنائي بين القوتين العظميين يحكم الاقتصاد العالمي ويضع قواعد جديدة للّعبة.
ومع هذا الاتفاق، سيكون هناك سقوط للذهب… نعم، سقوط!
لأننا ببساطة تعلمنا أن لكل فعل رد فعل مساوي له في القوة ومعاكس له في الاتجاه — وهذه القاعدة ستطبق على الذهب بكل وضوح.
الدكتور/ محمد الغباري
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الإقتصادية