الشيخ المفتي: الشيخ سعيد بن سعد آل حماد
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنها أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم ). فقال له قائل ما أكثر ما تستعيذ من المغرم ؟ فقال ( إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف) و الواقع خير شاهد فإن المستدين يتعذر من الدائن عند حلول الأجل بأكاذيب و بقصص لا صحة لها, و عند طلب الدين يحلف لك أنه سيسدد في نهاية الشهر ثم تمر سنوات و أنت لا تراه فيكون قد حدث فكذب ووعد فأخلف.
قال العيني : فيه بشاعة الدين و شدته و فيه وجوب الاستعاذة من الدين لأنه يشين في الدنيا و الآخرة و قال صلى الله عليه و سلم:( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ) فما استعاذ منه النبي صلى الله عليه و سلم إلا لبشاعته و خطره لدى أصحاب القلوب الحية.
عن أبي قتادة رضي الله عنه: أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم ( أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ) فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كيف قلت ؟ ) قال أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك ).
محمد بن جحش رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه إلى السماء ثم وضع راحته على جبهته ثم قال سبحان الله ماذا نزل من التشديد فسكتنا وفزعنا فلما كان من الغد سألته يا رسول الله ما هذا التشديد الذي نزل فقال والذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيى ثم قتل ثم أحيى ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال نفس بن آدم معلقة بدينه حتى يقضى عنه .
عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكبر والدين والغلول .
عن جابر رضي الله عنه قال : توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقلنا تصلي عليه فخطا خطى ثم قال أعليه دين قلنا ديناران[ فلينظر إلى هذا الحدييث من استدان عشرات الآلاف أو مئات الآلاف أو الملايين] فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق الغريم وبرئ منهما الميت قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران فقال إنما مات أمس قال فعاد إليه من الغد فقال قد قضيتهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن بردت عليه جلده فكلمة بردت جلدته دليل على أنه يعذب على أن أبا قتادة قد تحمل عنه فالحذر من الدين عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه : لا تخيفوا أنفسكم أو قال الأنفس فقيل له يا رسول الله وما نخيف أنفسنا قال الدين . وهذا نص صريح في النهي عن الدين و أقل ما يدل عليه النهي الكراهة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإياكم والدين فإن أوله هم وآخره حرب.
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : يا حمران اتق الله و لاتمت و عليك دين فيؤخذ من حسناتك لا دينار و لا درهم .
و عن معاذ رضي الله عنه قال : الدين شين الدين.
و عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: لا هم إلا هم الدين و لا وجع إلا وجع العين.
و قال معاوية رضي الله عنه : رق الحر الدين.
و بعد هذا التحذير من الدين و التخويف منه فقد يقول قائل: ماذا تصنع بالأحاديث التالية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله.
وعن عائشة رضي الله عنها : اشترى رسول الله صلى الله عليه و سلم من يهودي طعاما إلى أجل و رهنه درعه.
عن أبي رافع رضي الله عنه, قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من الصدقة قال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء فهنا استدان النبي صلى الله عليه و سلم ولو كان حراما أو مكروها ما استسلف و لا استدان.
فالجواب يوضحه التفصيل التالي :
1- تباح الاستدانة بثلاثة شروط :
1) أن يكون المستدين عازما على الوفاء.
2) أن يغلب على ظنه الوفاء.
3) أن يكون الدين في أمر مشروع.
2- إذا كان عازما على الوفاء و يغلب على ظنه قدرته في المستقبل على الوفاء و لكنه غير محتاج للدين كالذي يدخل به في تجارة من باب الثراء لا الحاجة فهنا يكره الدين و الحاجة مثل الدين للزواج أو بناء البيت أو للعلاج و الطعام و نحوها.
3- إذا لم يكن عازما على الوفاء أو يغلب على ظنه أنه عاجز عن الوفاء سواء في حاجة أو غير حاجة يحرم الدين كما يحرم المماطلة بالدائن مع وجود المبلغ فقد قال صلى الله عليه و سلم : لي الواجد ظلم يحل عقوبته و عرضه و قال : مطل الغني ظلم ولكم سؤال أصحاب المحلات التجارية الذين يداينون الناس و كيف أن أصحاب الذمم الفاسدة يأكلون أموالهم و يهربون بها و لا يسددون و يطالب بتخفيض الدين مع قدرته لأجل أكل أموال الناس بالباطل.
و إن للدين مفاسد كثيرة و منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. صارت البنوك تتسابق في تشجيع الناس على الاقتراض و تقدم تسهيلات كبرى مما لم يكن يحلم به الإنسان العادي في وقت مضى وهذا يفتح باب الاعتماد على الائتمانات الهائلة التي توفرها البنوك مما يورث التضخم الذي يخشى المسلم عواقبه.
2. أفرط الناس في الإنفاق بسبب ذلك و استشرت مظاهر الإسراف في عامة شؤون الحياة و تضاعفت الفجوة بين الفقراء والأغنياء و أضحت الأوضاع الاقتصادية تبعا لذلك كثيرة الاضطراب و التقلب و غلت الأسعار وانخفض مستوى الادخار و ارتفعت معدلات التضخم و البطالة بصورة لا يعرف لها نظير في الماضي.
3. الإنسان بطبعه يفضل العاجل على الآجل كما قال تعالى : خلق الإنسان من عجل و هنا يستمتع المدين بالدين عاجلا و يؤجل السداد إلى المستقبل فالمرء بطبعه لديه الحافز أن يستدين كما أن ازدياد تفضيل العاجل يربي لديه النظرة قصيرة المدى.
4. ضعف المسئولية الذاتية يستتبع تساهل المدين في الإنفاق بدرجة أكبر مما لو كان اعتماده على موارده الذاتية فتصبح الكثير من السلع و الكماليات في متناول يده بعد أن كانت خارج دائرة حساباته قبل أن يلجأ إلى الاستدانة و الواقع خير شاهد على ذلك فكثير من الناس يشتري سيارة فاخرة مثلا بالتقسيط لم يكن ليشتريها بدخله المحدود ثم سنوات في تسديد شيء كمالي.
5. إدمان بعضهم على الدين فيستدين و لا يسدد فتتراكم عليه الديون و قد يستدين ليسدد دينا آخر فيغسل الدم بالدم وهكذا, و هذا من العي الذي يترفع عنه العبد.
6. يفتح باب المغامرة و يتضرر منها مستقبلا في مشاريع ذات ربحية مرتفعة مع أن المخاطرة فيها مرتفعة فليس من تعب حتى يحصل على المال كمن حصل عليه بهذه التسهيلات.
المسألة الثانية : يشتري بعضهم من بنك بالتقسيط وهذا مباح ولكنني أنبه إلى التالي:
1. بعض البنوك يقول هناك حديد أو معدن في البحرين أو غيرها, و لا تستطيع التثبت من صحة كلامه, و لم يحز المعدن لحسابك, و نحوها وهذه مشكلة ثم يباع المعدن بدون نقله و هذا لا يجوز.
2. لا يجوز أن تفوض البنك الذي باعك السلعة بأن يبيع عنك. بل تبيعها أنت بنفسك أو توكل غير البنك أن يبيعها لئلا تأخذ المسألة حكم الصورية,و قد أفتى مجمع الفقه الإسلامي بعدم جواز التورق الذي سبق توصيفه للأمور الآتية :
1 ) أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشترطها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2 ) أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3 ) أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من اجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل..
المسألة الثالثة : قبل الولوج في الاكتتاب أوفي شراء الأسهم إما للاستثمار أو للمضاربة فينبغي استفتاء أهل العلم المتخصصين في باب المعاملات لئلا تتورط ثم ينكشف لك حرمة هذه الأسهم فتقع في حرج شرعي لا حاجة إليه, فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
المسألة الرابعة : كثرة الأموال في أيدي الناس ويضاف عليها تسهيلات البنوك يتمنى المسلم أن تستغل في إنشاء شركات أموال كثيرة بدلا من مضاربات لا تحقق للبلد كبير فائدة, وهذا يحقق لنا ثلاث فوائد :
أ- امتصاص هذه المدخرات الهائلة في البلد و عدم تصديرها كعملة صعبة للخارج باسم أسواق البورصة العالمية و نحوها من طرق هجرة الأموال.
ب- إنشاء مشاريع في جميع المجالات الصناعية والزراعية والخدماتية التي تجلب الخير والرخاء وتوجد منافع حقيقية للبلاد والعباد وتحقق العدالة في فتح باب المساهمة لجميع أفراد المجتمع. ليحصل الاكتفاء الذاتي و لنتحول من سوق استهلاكية إلى سوق إنتاجية مصدرة.
ت- القضاء على البطالة بتوظيف الشباب في الشركات النافعة لنا و لبلدنا.
المسألة الخامسة : الحذر إلى الآن من التعامل في أسواق العملات لأن عامتها تقع في ربا النسيئة و ربا الديون و خاصة البيع بالهامش أو البيع بالمكشوف فهذا حرام كله في الأسهم و أكثر حرمة في العملات.
المسألة السادسة : أحذر الوسطاء من التلاعب بالعملاء و استغلال ثقتهم فيهم فأحذرهم من إعطاء الوعود أنه لن يخسر كما أنه يحرم أن تضمن له ربحاً و يحرم أن تضمن له رأس المال بل يخسر و يكسب معك, كما أحذر الوسطاء من الهروب أموال الناس و ليعلموا أنهم لو هربوا منهم في الدنيا فهناك لقاء آخر يوم القيامة, و أنصح الوسطاء بالوضوح و الشفافية مع العملاء و إظهار قوائم مالية لهم كل سنة أو نصف سنة أو ربع سنة ويظهرون فيها الشركات التي باعوا لهم فيها .
المسألة السابعة : حول زكاة الأسهم :ففيها تفصيل :
§ فإن كان مستثمرا و قصده الاستمرار كشريك ليجني الأرباح كل سنة فهذا إن كانت الشركة تزكي فلا زكاة عليه فيها و إن كانت لا تزكي فيزكيها بحسب مال الشركة من حيث الحول و النصاب و مقدار الواجب.
§ أما إن كان المساهم مضاربا في صالات الأسهم أو أسواق البورصة فلا بد أن يزكيها زكاة عروض تجارة زكت الشركة مالها أم لم تزكه و طريقة حسابها أن يحسب القيمة السوقية للأسهم التي عنده في يوم الزكاة ثم يضربها في ربع العشر يعني 2.5% أو بطريقة أسهل يقسم القيمة السوقية لمجموع أسهمه يوم الزكاة على 40 و أما أخطر القضايا بالنسبة للأسهم و العملات و هي قضية الربا فسيتم إفراد حديث خاص به بإذن الله تعالى.